مقدمة: النور الذي أضاء العالم
في ظلمات الجهل والضلال التي كانت تُخيم على البشرية، أشرق نورٌ عظيمٌ غيّر مسار التاريخ، نور محمد ﷺ، الذي وصفه ربُّه في محكم التنزيل: ﴿وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا﴾. لم يكن مجرد رسولٍ عابر، بل كان سراجاً منيراً أضاء طريق الهداية، وسيظل نوره مشعاً إلى يوم القيامة من خلال سنته التي حفظها الله كما حفظ كتابه.
مكانة النبي ﷺ في القرآن الكريم
الآيات المُبَيِّنة للمكانة الرفيعة تزخر آيات القرآن الكريم بإبراز المكانة السامية للنبي ﷺ، ومن ذلك: المنة العظمى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ...﴾. الولاية المطلقة: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ﴾. الرحمة الشاملة: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾. الرسالة العامة: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾. الخصائص الفريدة في القرآن خصَّ الله تعالى نبيه ﷺ بخصائص جليلة تدل على علو منزلته: 1. عموم الرسالة وخاتميتها. 2. وجوب طاعته ومحبته. 3. وجوب تحكيمه والتأسي به. 4. رفع ذكره وعصمته من الناس.
وصف النبي ﷺ بالنور والسراج المنير: دلالات وحقائق
النور الهادي والسراج المُضيء وصف القرآن النبي ﷺ بالنور في مواضع عدة: ﴿قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ﴾. ﴿...وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا﴾. وقد فسّر العلماء هذا الوصف بأنه: نور هداية من الظلمات إلى النور. نور بيان يوضح الشرائع والأحكام. نور تشريع يصلح الدنيا والدين. دلالة الوصف على حفظ السنة يستلزم وصف النبي ﷺ بالنور والسراج المنير حقيقةً عظيمة، وهي حفظ سنته، لأن: النور الحقيقي لا ينطفئ. السراج المنير لا يخبو. الهداية والبيان والتشريع مستمرة إلى قيام الساعة، وهذا لا يكون إلا بحفظ ما جاء به.
استحالة انطفاء نور النبي ﷺ بعد وفاته
الأدلة العقلية والنقلية أولاً: الأدلة العقلية: 1. خاتمية نبوته ﷺ تستلزم استمرار نوره. 2. عموم رسالته لكل الناس في كل زمان ومكان. 3. تكفُّل الله بحفظ دينه، والسنة جزءٌ لا يتجزأ منه. ثانياً: الأدلة النقلية: قوله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ...﴾. قوله ﷺ: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنتي». قوله ﷺ عن الطائفة المنصورة: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق...». الرد على شبهة انقطاع الوحي انقطاع الوحي بوفاة النبي ﷺ لا يعني انقطاع حفظه أو انطفاء نوره، لأن: 1. الله تعالى قد تكفل بحفظ الوحي (قرآناً وسنة). 2. قيَّض الله علماء أفنوا أعمارهم في جمع السنة وتمحيصها. 3. حفظت السنة في الصدور والسطور بعناية فائقة لم تعرفها أمة سابقة.
استمرار الهداية النبوية من خلال السنة المطهرة
وسائل استمرار الهداية 1. الحفظ في الصدور: عبر سلسلة نقلة الحديث الثقات. 2. التدوين في الكتب: منذ العهد النبوي وحتى عصر التدوين الشامل. 3. علوم الحديث النقدية: التي فصلت الصحيح من السقيم. 4. الشروح العلمية: التي كشفت معاني الأحاديث وهداياتها. 5. العلماء الربانيون: الذين هم ورثة الأنبياء في حمل هذه الأمانة. ثمرات التمسك بالسنة التمسك بسنة السراج المنير ﷺ يثمر: الهداية إلى الصراط المستقيم والنجاة من الضلال. النجاة من الفتن والتحصن بها. محبة الله ومغفرة الذنوب، كما في قوله تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾. الفوز بالجنة والنجاة من النار.
خاتمة: نور أبدي وهداية مستمرة
لقد كان النبي محمد ﷺ سراجاً منيراً أضاء الدنيا بنور الوحي، وهذا النور – بحفظ الله ووعده – أبدي لا ينطفئ. فسُنَّته ﷺ هي الامتداد الحي لهدايته، والنور المتجدد الذي يرشد الأمة في كل عصر. إن التمسك بسنته ليس وفاءً للماضي فحسب، بل هو السبيل الوحيد لاستقرار الحاضر وضياء المستقبل، فهو النور الذي ﴿يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ﴾.
تم التنسيق بواسطة أدوات محراب الكلمة