خواطر في مرآة الوجود
وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ
العين مرآة للبكاء والضحك معًا. هي نافذة للروح، وترجمان للقلب. فليست مجرد عضو للرؤية، بل عالم قائم بذاته؛ نرى من خلالها الجمال والألوان، ونقرأ بها المشاعر والأحاسيس.
العين تحكي قصصًا بلا كلمات: فرحة طفل، حزن أم، حنين عاشق، حكمة شيخ.
اللسان والعين
اللسان يحاول أن يخفي ما في الجنان، أما العين فتبوح بما احتواه القلب. اللسان قد يكذب، لكن العين لا تعرف الكذب. يمكن للمرء أن يقول "أنا بخير"، بينما عيناه تحكيان قصة أخرى.
ولهذا قيل: "العيون رسائل القلوب"، و"العين تنطق والفم صامت".
عين الملك وعين الملكوت
العين صلة بين الباطن والظاهر. هي أداة تلتقط صور عالم الملك، ونورٌ يكشف حقائق عالم الملكوت. لها بُعدان:
- عين الجسد التي ترى الأشكال والألوان.
- عين البصيرة التي تدرك المعاني وما وراء الظاهر.
العين قادرة أن ترى الوردة ببهائها، وأن ترى في جوهرها معنى الجمال والخلق.
النظر والبصر: عقلٌ وقلب
وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا
فرقٌ بين النظر والبصر:
- النظر: حركة العين وتقليب الفكر بالعقل.
- البصر: نور يغوص إلى القلب، فيُحرك التدبر ويُغيّر الإنسان.
النظر يحلل، والبصر يهدي. النظر للظاهر، والبصر للجوهر.
نور على نور
نور على نور
نور العقل يضيء سبيل التفكير. ونور القلب يضيء سبيل الإلهام والحكمة. فإذا اجتمع النوران في إنسان واحد، أصبح كالمصباح الذي يضيء لنفسه ولغيره.
الفكر يُعلّم. والتدبر يُحوّل. والهداية ثمرة تناغم النورين.
العين والجَمال: لغة صامتة
العين هي لوحة الألوان الأولى. بها نرى البحر اتساعًا، والسماء صفاءً، والطبيعة حياةً. من خلالها ندرك الفن واللوحة والنقش، ونفهم أن الجمال ليس في الشكل فقط، بل في المعنى الكامن وراءه.
العقل يحصي الألوان، لكن العين حين تُشرق بنور الروح ترى "الجلال" في الجمال. ومن هنا كان للجمال سر روحاني لا يُدرك إلا بالبصيرة.
العين مقياس للقيمة
"يا نور عيني"، "قرة عيني"... تعبيرات تدل على مكانة العين في حفظ الغالي والثمين. العين تميز بين الأصيل والزائف، بين العزيز والرخيص. وهي أيضًا خزينة تحفظ الذكريات التي تصنع قيمنا عن الحياة.
أم موسى: حين يفرغ القلب
وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا ۖ إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا
فقدان العين لمحبوبها يُفرغ القلب. وهكذا كان حال أم موسى، حين غاب عن عينها "قرة عينها"، أصبح فؤادها فارغًا.
لكن الله لم يربط على عينها، بل على قلبها. فالخسارة ليست في العين التي لا ترى، بل في القلب الذي لا يحتمل. ومن هنا نعلم: العين ترى الظاهر، والإيمان يُبصر المغيّب.
الخاتمة بدعاء
العين ليست مجرد نافذة للعالم، بل مرآة للروح، وبوصلة للهداية. من خلالها نُرى ونرى، نكشف وننكشف، نضحك ونبكي… لكننا قبل كل ذلك نبصر.
اللهم ارزقنا عيونًا تبصر الحق كما هو، ولا تفتنها زخارف الباطل. اللهم ارزقنا قلوبًا منيرة، وبصائر صافية، ونورًا على نور. واجعلنا ممن يرون بنورك، فيسلكون سبيل الحق والحقيقة.
والله أعلم